تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا
من كتاب المواهب الجلية في المسائل الفقهية للشيخ عبد الرحمن السعدي
12998 مشاهدة
حكم تعدد الجوامع في البلدة الواحدة

...............................................................................


بعد ذلك توسعوا في تعدد الجوامع، واعتذروا بكثرة المصلين وازدحامهم، مع أنهم كانوا في عهد عمر -رضي الله عنه- يزدحمون، حتى أنه قال: إذا لم يستطع أحدكم أن يسجد، فليسجد على ظهر أخيه؛ يعني كانوا يتقاربون، ليس بين الصفين إلا قدر ذراع، فإذا سجد ما كان قدَّامه مكان يضع وجهه عليه، فقد يسجد على ظهر الذي قدامه، ويسجد الصف كلهم على ظهور الآخرين الذي قُدَّامهم لتقارب الصفوف وازدحامهم، ولم يُرخِّص لهم أن يصلوا في جوامع أخرى.
والحاصل أن هذا هو العذر؛ يعني هو السبب أن يجتمعوا كلهم ويتلاقوا ويتعارفوا ويتآلفوا؛ ولأجل ذلك في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أن المسجد كان صغيرا.
تعرفون الزيادات التي زيدت في عهد بني أمية، ثم الزيادات في عهد الترك، ثم الزيادة في عهد الملك سعود ثم الزيادة في هذا العهد في المسجد النبوي في العهد النبوي كان المسجد صغيرًا يمكن أن مساحته نحو عشرين في عشرين أو قريبا منها، ومع ذلك يتسع لهم، والذين يزيدون يصلون في أطراف المسجد، ويصلون في ما قرب منه.
والحاصل أن تعدد الجوامع ما حدث إلا في عهد قريب بعد أن اتسعت البلد، وبعد أن كثر السكان فقالوا: يُرخَّص في تعدد الجوامع.
الأمر على ما كان عليه إلى عهد قريب، أدركنا أهل القُرى؛ يعني القرى الصغيرة التي فيها بيتٌ أو بيتان أو بساتين يأتون إلى المسجد بعد صلاة الصبح؛ إذا صلى أحدهم تناول طعاما خفيفا أو أكلات خفيفة أو تمرات أو قهوة، ثم ركب حمارًا وتوجه إلى الجامع، فلا يصل إليه إلا بعد أربع ساعات أو ثلاث ساعات، وكثير منهم يأتون على أقدامهم وذلك لعدم الرخصة في تعدد الجوامع؛ ولأن الحكمة فيه أن يجتمع أهل البلد كلهم ويتعارفون ويتآلفون؛ هذا هو السبب في شرعية الجمعة.
زيادة على أنهم يتعلمون علمًا محددًا؛ فإن في الجمعة هذه الخطب التي يتعرض فيها الخطباء لشرح كثير من الأحكام، ولبيان الحلال والحرام، وكذلك أيضا يعظون الناس ويذكِّرونهم، وما أشبه ذلك، هذا هو الذي يستفيدونه.
زيادة على الأجر الذي يلحقهم مقابل تعبهم، فيقولون: هذا التعب الذي نتعبه؛ نغيب عن بلادنا ساعتين أو خمس ساعات أو ست ساعات، وكذلك نُتعِب أنفسنا نرجو بذلك الأجر، ونرجو أن تكتب خطواتنا.
فهذا هو الأصل، ولم يذكر أن أحدًا يتخلف إلا النساء والمرضى ونحوهم، وأما العبيد المملوكون فإنهم يأتون أيضا ولا يتخلفون، ويُقدِّمون حق الله تعالى الذي هو أداء هذه العبادة على حق سادتهم، وما ذاك إلا أن هذه هي العبادة التي خلقهم الله لها، والسيد لا يجوز له أن يمنع مماليكه وخدمه عن صلاة الجماعة، كما لا يمنعهم عن الصيام؛ وذلك لأن هذا حق الله، ولا يقول: إنه إذا صام يتعب ولا يؤدي حقي ولا يؤدي خدمتي، نقول: إن الصيام حق الله وفريضته، فهو مقدم على حقك وعلى حق كل مخلوق.